Sunday, June 24, 2007

موت شاعرتي

فى سنوات المراهقة كانت لنا شلة صغيرة فى النادي، تعرفت ذات يوم على شاب س وهو صديق لأحد أفراد الشلة، وعلى الرغم من أن أنه لم يكن يحمل الملامح المشتركة التي كانت تجمعنا كأفراد شلة واحدة إلا أنه اقترب منا لعدة أشهر. س كان يحلم بالسفر والعيش فى أوروبا بعد التخرج. تبادلنا حديثا عن حبنا المشترك للقراءة والسفر ووجدني ذات يوم أقرأ كتاب رحلات، وطلب استعارة الكتاب، ويبدو أنه لم تكن لديه النية لإعادته فوجدته ذات يوم يهديني فى المقابل ديوان شعر اسمه شظايا ورماد لشاعرة لم أكن أعلم عنها شيئا نظرا لحداثة سني. مضت الأيام وغاب س وآخر ما سمعته منذ سنوات أنه تخلى عن حلم السفر لأوروبا وأصبح يتخذ الرداء القصير والبنطلون وعمة الرأس لباسا له
.
الكتاب قبع فى غرفتي لفترة قبل أن أبدأ فى قراءته ليفتح لي الباب أمام أجمل وأرق شعر لازمني فى سنوات المراهقة، هي الشاعرة العراقية نازك الملائكة التي كانت أشعارها بمثابة مرآه وحياة لسنواتي الفتية. أحببت رقتها ونعومتها وانعزالها وفرديتها وتشاؤمها وحيرتها وقسوتها وابتساماتها البخيلة البخيلة فى أشعارها.
.
رغم أن ذوقي الشعري اختلف كثيرا وبعض قصائدها المفضلات لدى فى الصغر لم تعد تحتل نفس المكانة الأثيرة الآن، إلا أن لها قصائد أخرى أجد نفسي دون وعى أرددها فى مناسبات معنية مختلفة، وفى كتاباتي الشعرية تأثر واضح بها
.
فى أشعارها الأخيرة هناك نبرة صوفية ودينية واضحة
.
نازك الملائكة ماتت الأسبوع الماضي ودفنت فى القاهرة بعد صراع طويل مع المرض
.
لن أجد لرفيقة سنواتي الصغيرة خيرا مما كتبته هي فى قصيدة بديعة أسمها سنابل النار تصف فيها الحب بالنار والتي لها ثلاث دوائر ، الأولى الحب بمعنى الغرام والثانية حب الأرض والثالثة حب الله
.

القصيدة طويلة وجميلة للغاية ومن أجمل ما فيها الصوفية التي تصف بها دائرة حبها لله وحين يصعد جسدها لأعلى فتلقاه ولا تتحمل ضياؤه
.
وهذه مقاطع مما قالته عن كل دائرة:
.
.
هواي الأول الحسي، دائرتي الصغيرة
حب إنسان من الناس
هواه كوكب فى مقلتي، فى شعري طوق من الأس
وبسمته حقول شذا، وترنيمة أجراس
يحلينى، يزخرفنى، يتوجني على مملكة الوهم
وفى أروقة الحلم أميرة
!يصغرني يحولنى إلى شفة ملونة، إلى تنوره، إلى ضفيرة
ـــــــــــــــ
إن حب الأرض أطهر
من هوى مرغ إحساسي فى الطين وعفر
فى ثرى الأهواء والحمى جبيني
إن حب الأرض غابات، وقرميد، وقمح
حبها شرفة مرمر
حبها يغسل شكي فى بحيرات يقيني
حبها يزرعنى زورق شذر سابحا فى نهر كوثر
ــــــــــــــــــــــ
وحب مليكي المحبوب غير وجه النار
تبدل موقدي وامتلأت شعلته من عطر أزهار
وذابت فى نقاوته من المجهول أسرار
وصارت ناره بيضاء كالبرقِ
ويا ويل الذي يلقى
عليها نظره: يَعشى
تعود جفونه حرقا وسحب دخان
بياض باهر الأمواج ليس تطيق وهج صباحه عينان
وبرق يصعق الإنسان
وضوء يستبيح العينَ، يلهبها ولا يبقى
لها بصرا ويسقى الروحَ ما يسقى
.
.
.
بياض النار يبهرني
ويأسرني
فأخرج من كياني ينطوي زمنى
وأصعد دونما قيد يقيدنى
وأرقى فى الأعالي دونما بدنِ
!هنا وطني

4 comments:

kasber said...

أول ما تعرفت علي نازك الملائكه كان من خلال مكتبة الاسره
ولكن شعر المتصوفه عادة ما يحيرني و يثير في شجن خاص
ربما لست في مثلك في تذوق الشعر ولكني أعجب بشده بأختياراتك وربما أكون قد قرأت تلك القصيده في الديوان
ولكني لم أنتبه لها الا حينما وضعتيها في مدونتك
الان أدركت أن من أننا نحب الشعر أكثر من شخص يتذوقه
أشكرك

blackcairorose said...

أنا أيضا تضيع منى تفاصيل دقيقة وجميلة يا كاسبر حين أقرأ الشعر، لذا أحاول دائماأن لا أقرأ قصيدة طويلة مرة واحدة ولكن قراءة متأنية ولعدة مرات لكل مقطع

وهو أيضا السبب أننى أحاول الا أضع قصائد طويلة أو أجزاء طويلة من القصائد فى المدونة

وبالنسبة للشعر الصوفى وما يثير فينا من اعجاب وحالة غير معتادة فأنا أرى أن جزءا منه ناتج ليس من وصولهم لمرتبات أعلى فى الاحساس الدينى ولكن ربما لأنهم استوعبوا البديهيات الدينية بشكل أصح، يعنى نحن الذين لم نستوعب الأسس والبديهيات وليسوا هم من تجاوزوها

أحب الدين على طريقتى رغم أن الكثيرين قد يحكموا مظهريا ويجدونى أبعد ما أكون عن القوالب التى قمقموا الدين بداخلها

blackcairorose said...

على فكرة ياكاسبر استطرادا للحديث،
أحب كثيرا الثلاث أشطر الأخيرة فى المقطع الاول الذى يعبر عن الدائرة الأولى والحب الحسى، فهى تقول أن حبيبها يجعلها أميرة ولكن وهمية ولكنه فى الحقيقة يصغرها الى مجرد شىء حسى صغير عبارة عن تنورة وشفاه وضفيرة، أرى أن هذا الأمر صادق جدا فى كثير من قصص الحب، حالة وهمية من السعادة والواقع أنه ينزل بك الى اسفل الدرك

Anonymous said...

عزيزتي
blackcairorose
اعترف اني تعرفت علي الشاعره الرقيقه نازك الملائكه عندما بدأت في متابعه مدونتك الجميله و لمست اد ايه هي شاعره مرهفه الحس
تلك الأبيات التي اوردتيها تحمل معاني جميله لمست اوتار قلبي و بخاصه عندما كانت تتحدث عن حب الناس و حب الحبيب و عجبني ايضا انتقالها منه لحب الأرض فكأنها انشأت جسر بين الكلمات و انتقلت من ذلك الحب للحب الاخر بسلاسه و رقه
اشكرك عزيزتي علي مااوردتيه و احيي فيكي اختياراتك دائما
:)