Sunday, March 9, 2008

وطنيات

من بين السمات العديدة التي أحبها جدا في العقلية الغربية (الأوروبية أو الأمريكية) هى تفتحهم وسعة الأفق عند سماعهم انتقاد يوجه لبلادهم
طبعا لن أعطى حكما عاما وأقول هي صفة في كل الغربيين، ولكن من رؤيتي وجدت أنها سمة ملحوظة جدا في الكثير منهم، هناك نقد أو مزاح في حق بلدهم يأخذونه ببساطة وابتسام، ليست لديهم حساسية من انتقاد وجهه أجنبي (عكس مفهومنا المزمن أن الانتقاد من أجنبي لأ، لكن الانتقاد من مصري آه) أو نقد من شخص من بلد أقل غنا وتطورا من بلدهم (فى حين أن أول خاطر يأتي ببالنا فى مصر إذا انتقدنا شخص من دولة أقل تطورا هو : أنظر لبلدك أولا) وكذلك عدم محاولة إيجاد تبرير لكل خطأ للتقليل من حجمه أو أهميته أو حتى نفى وجوده أصلا

تذكرت هذه الصفة التى أحبها فى الشعوب الأكثر تقدما واسترجعت المواقف التالية

أغنية أمريكية كانت مشهورة منذ عدة سنوات وهى
Blame Canada
وهى الأغنية الساخرة التى تتحدث عن أباء أمريكيين لا يعترفون بتقصيرهم وتقصير مجتمعهم فى تربية جيل صالح، وبدلا من ذلك يلومون كندا لأنها أنتجت مسلسل كارتون تليفزيوني سيء اعتاد أطفالهم مشاهدته، فالآباء يخلون مسئوليتهم عن فساد أبنائهم معتبرين أن كل ما لحق بأبنائهم من سوء تربية يعود إلى مشاهدة هذا المسلسل الكندى، ويبدءون في لوم جارتهم كندا على كل شيء سيء يحدث في أمريكا

الأغنية تضمنت تعبيرات تستهزئ بكندا على لسان هؤلاء الآباء، ولم تثر في كندا حساسية، بل اعتبروها نوع من الفكاهة وتم غنائها مرة فى احتفال فى إحدى المهرجانات فى كندا

هل يمكن أن نتخيل ولو لثانية موقف مماثل بين مصر وإحدى الدول الشقيقة حولنا؟ سواء كنا نحن أصحاب الأغنية الساخرة أو نحن من يسخر الآخرون منا؟

أمثلة كثيرة بنفس المعنى

شاهدت على التليفزيون الفرنسي بالصدفة مرة حديثا للاعب كرة إيطالي يشيد بتنظيم فرنسا لكاس كرة القدم الأوروبية ويقول: نحن في إيطاليا لا نعرف كيف ننظم شيئا جيدا لتأتى النتيجة بالشكل الرائع كما فعلت فرنسا

!طبعا لو قال لاعب مصرى هذا
.
أيضا إحدى المحطات الإذاعية الفرنسية منذ أعوام كانت تعلن بشكل متكرر عن حديث أجرته المحطة مع مادونا وكان الإعلان يتضمن جزءا من الحوار تقول فيه مادونا أن الأوروبيين أكثر رقيا بكثير جدا من الأمريكيين، والكلمة التي استخدمتها هي
Much more sophisticated

تخيلوا أنغام مثلا أو شيرين لو قالت: اللبنانيين أرقى بكثير من المصريين
متهيألى الإعدام في ميدان التحرير ثم سحب الجنسية المصرية من الجثة سيكون أقل عقاب ممكن
.
ميشيل أوباما زوجة مرشح الرئاسة الأمريكي قالت منذ أسابيع معدودة في حديث تليفزيوني أنها لوقت طويل لم تكن فخورة بوطنها، الرأي طبعا أثار ضجة في إطار المزايدات ضمن حرب الرئاسة، ولكن زوجها قال لاحقا أنه تم تضخيم المعنى الذي أرادته زوجته (متخرجة من جامعة هارفارد)

زوجة غفير ـ وليس مرشح رئاسة ـ فى مصر لو تفوهت بشيء مماثل على التليفزيون
.
وأخيرا تعليق الأمير هارى ابن ولى عهد بريطانيا الأسبوع الماضي حين قال: أنا عموما لا أحب انجلترا كثيرا

الإعلام البريطاني تناوله دون افتعال ولم يتم تقطيع الأمير هاري إربا، ومن ناحية أخرى لم يبدأ القصر الملكي حملة قومية بخطب ومظاهرات نفاق تظهر ولاء الأمير وحبه لبلده والإشادة بوطنيته وأعماله المجيدة لصالحها، بل على العكس بررت بعض الصحف رأى الأمير بأنه نتيجة لعدم شعوره بالخصوصية في بلده
الأمثلة أكثر من تذكرها وكتابتها، ولكنى أحب جدا جدا النضج وسعة الأفق والتحضر الذى تعكسه

وللحديث بقية

12 comments:

الطائر الحزين said...

بين الصراحة والتبجح وقول الحقيقة وتزينها شعرة صغيرة


لكن ما دمنا لا نعرف عيوبنا ولا نريد من اى شخص ان يظهرها لنا

سنقف ولن نتحرك


تحياتى

جسور سرية said...

العزيزة بلاك روز
تحياتي و سلاماتي
تعرفي اني ضربتي علي الوتر الحساس
وصلتي بفأس حفرك النظري الي عصب المشكل و الا و هو التركيبة الذهنية للمواطن العربي و مكوناتها التي تجعل منها ذهنية مغلقة ..كسولة ...تخشي العقلانية و التساؤل الابداعي و النقد الخلاق
اتفق معك ايضا ان التعميم او التنميط بمعني التحليل علي اساس نمطي واحد فكرة غير صحيحة لكن اذا اعتمدنا الاسس التحليلية لعلم الاجتماع نجد ان هناك بنية وعي مشترك لانسان الغرب يمكننا ملاحظتها و الخروج منها بنتائح و كذلك هناك بنية لانسان الشرق تقوم دعائمها بالاساس علي رفض التفكير النقدي العقلاني...نظرية المؤامرة...تقديم العواطف امام العقل....النصوصية و التلقين في مقابل الفهم و التفكير...النقد الغير بناء...النقل بدلا عن الابداع الخلاق.....الخ
مشكلتنا اننا لا نري المراحل التي مر بها الفكر الغربي منذ عصر التنوير او النهضة حتي الان...ما وصل اليه الغرب الان فلسفيا وصل اليه عبر معاناة نظرية طاحنة مرت به من عصور الظلام في ارتفاع مد الاصولية الدينية او مايعرف بفكر ماقبل الحداثة مرورا بارتفاع مد العقلانية بشكل عنيف فانتج ما يعرف بفكر الحداثة بمدارسه الفكرية المختلفة مثل الوجودية و البينوية و الفرويدية و الرمزية و غيره ثم انتهاء بفكر ما بعد الحداثة الذي تمثله مدارس فكرية كثيرة كالنقدية و التفكيكية و مدرسة فرانكفورت...الخ
لا اود ان اطيل بحديث نظري لكن ما اود ان اوصله لكي ان عملية التنوير عملية شاقة جدا و بطيئة الا انها الطريق الوحيد للتخلص من هذه المعضلات!!!

Ahmed Al-Sabbagh said...

بوست رائع

سعدت بزيارة مدونتك

تحياتى

أحمد

روابط said...

موضوع جامد يا روز
وفعلا أحنا أو أغلبنا بنرفض آى نقد موجه لبلدنا أو ذواتنا , والمحصلة أننا نسمعه من غيرنا بشكل فج للغاية وبصوت عالى
مؤخرا أستمعت لأغنية خليجية شاعت على الموبيلات تحاكى ايقاع غربى سريع ولا أستطيع كتابة الكلمات المشينة للغايه التى يصفون بها المصريين , وان كان أخفها يتعلق بنشاطات شارع الهرم السرية بالطبع
تحياتى يا روز

Anonymous said...

BCR

فى مجتمعاتنا الجميلة نحن دائما قضاة .. نطلق احكاما على عوانها دون ان نفهم أو نسأل لماذا؟ ده خائن وده مرتشى وده منافق .. وهكذا

وكأننا كلنا ملائكة لانخطئ .. مع ان كل العبر فينا

أما فى المجتمعات الغربية فهم دائما محامون .. يبحثون عن سبب
وبالتالى يتفهمون موقف كل واحد من باب انسانى بحت .. فيتحركون الى الأمام .. ولا يتحرجون من مواجهة الحقيقة مهما كانت محرجة أو صعبة
وبلا حساسية

البرامج متعددة وانت بثقافتك الواسعة تدرينها .. اوبرا ودونا هيو وغيرهم

يقول الشاعر
نعيب الزمان والعيب فينا .. وماللزمان عيب سوانا

سيدتى

We are way out !!

Anonymous said...

العزيزه بلاك كايرو روز

انتي بتتكلمي عن موضوع مهم جدا
فعلا احنا في البلاد العربيه عموما بيكون عندنا نوع من الحساسيه تجاه مايخص بلدنا لو اي حد تفوه بأي حاجه ضد البلد مش بياخدوها علي انها هزار لكن ساعات بيضخموها و يهولوها و تصبح حرب

تمام كده زي اللي ساعات بيحصل في ماتشات الكوره و تلاقينا بنلعب مع فريق عربي و يقولولك اصل البلد دي مش بتحب المصريين تجي تسألي ليه يعني مش بتحب المصريين يقولولك عشان احسن منهم استغرب اوي
طب ماهو لو احنا برضه احسن منهم زي مابيقولوا مايحاولوا يبقوا زينا هما يعني استريحوا لما كرهونا؟
كمان لسه كنت سامعه عن اغنيه خليجيه بصوت فريق سعودي اعتقد بتشتم في المصريين

و اكيد طبعا المصريين مش حيعجبهم ده
جه علي بالي موضوع الأغنيه لما كنتي بتتكلمي عن الاغنيه الكنديه في البوست بتاعك

اكيد العالم الغربي له نظرته و اسلوبه في التفكير اللي بيختلف عننا كتير ساعات و بيبان في مواقف مختلفه زي اللي ذكرتيها

تحياتي علي البوست المميز عزيزتي

blackcairorose said...

الطائر الحزين
اتفق معك واضيف أن للتعرف على هذه الشعره نحتاج لدقة وموضوعية وسعة افق وثقافة، وأغلبها نفتقدها مع الاسف

blackcairorose said...

جسور

أكيد بتفق معاكى جدا
التطوير بطىء بس احيانا أشعر أنه لا يأتى

ربما تشاؤم منى، لا أدرى

blackcairorose said...

احمد الصباغ

أنا أسعد وشرفت المدونة

blackcairorose said...

حازم

كيف يمكن أن استمع لهذه الاغنية؟
هل هى موجودة على اى موقع؟

blackcairorose said...

شريف

ملمح آخر أشعر فيه الفرق بيننا وبين الغرب، هى أن ثقافتهم تميل للاباحة والمنع هو الاستثناء، فى حين أن ثقافتنا بشكل عام تميل للمنع والاباحة هى الاستثناء

لو نظرنا عندنا للقضايا الثقافية والاجتماعية نجد عادتا أن التركيز على ما يتم منعه ، ويأتى موضوع الاباحة او السماح فى مرحلة تالية من التركيز والاهمية

وهو ايضا ما يعكس ضيق الافق مع الاسف

blackcairorose said...

اجندا

ساعات بشوف الحساسية دى كنتاج طبيعى للضعف

الشخص الواثق من نفسه والقوى لا يهتز ولا يتأثر بسهولة، اما الضعيف الذى يعرف ضعفه ولكن يداريه وينكره سيكون اكثر الناس حساسية لو لمح له أحد بهذا الضعف من قريب أو بعيد

وده متهيألى أحد اسباب حساسيتنا الزائدة لما ينتقدنا الاخرين