Monday, September 3, 2007

رواية وفيلم ومسلسل

قرأت أن رواية عمارة يعقوبيان ستتحول إلى مسلسل رمضاني، وأن شخصية حاتم رشيد الصحفي المثلى سيتم تعديلها بحيث لا تتطرق إلى الجانب المثلى في شخصيته نظرا لحساسية الموضوع بالنظر إلى أن ما يمكن تناوله في رواية أو فيلم سينمائي غير ما يمكن تناوله في مسلسل تليفزيوني.
.
أفهم حساسية تناول بعض الموضوعات من خلال التليفزيون، خاصة وأن مجتمعاتنا لا تعرف شيئا أسمه تغيير درجات الرقابة التليفزيونية مع اختلاف توقيتات العرض، ففي الدول المتحضرة مثلا ما يعرض في التليفزيونات في أوقات ذروة المشاهدة غير ما يعرض بعد الساعة الحادية عشر مساءا، وما يعرض في محطات عامة غير ما يعرض في قنوات خاصة، وكذلك هناك درجات الرقابة المختلفة داخل القنوات طبقا لما تعرضه وطبقا لما تعلنه هذه القنوات نفسها من درجة تصنيف برامجها وطلب إشراف من الأبوين عند مشاهدة أبنائهم لبعض العروض التليفزيونية والتنويه عن ذلك من البداية.
.
الوضع لدينا مختلف
من ناحية الدولة هى التى تقوم بتحديد ما يجب ومالا يجب مشاهدته
ومن ناحية المجتمع، فإننا كأفراد نترك الأطفال أمام التليفزيون أربع وعشرين ساعة ونريد أن تقوم الدولة بالدور الذي نعجز نحن عن القيام به، وذلك بترشيد ما يشاهدونه، فبدلا أن نقول للأطفال أو الصغار أنه ممنوع مشاهدة التليفزيون فى وقت متأخر أو قنوات معينة نقول يجب على الحكومة منع كذا وكذا، فالأكثر راحة أن نترك للدولة أن تقوم بالتربية بدلا منا
وعلى جانب ثاني وفى غياب مفهوم احترام الآخر، فبدلا من أن نغير القناة التي تعرض شيئا ما لا يعجبنا، فإننا نطالب بمنع عرض ما لايعجبنا على القنوات ولأسباب مختلفة من حرمة دينية إلى ذوق عام إلى أخلاق عامة إلى غيره من أشكال ومسميات الوصاية التي نضعها كأفراد على الآخرين والتي تضعها الدولة علينا جميعا
.
كل هذا واقع ولا جديد فيه
.
ولكن ما أعجز عن فهمه هو لماذا يقبل كاتب مثل علاء الأسواني أن يتم بتر شخصية رئيسية لأحد أعماله بحجة أنها ستقدم في التليفزيون؟ تستطيع شركة إنتاج تليفزيونية أن تملى شروطها في تغيير الشخصيات، ولكن لماذا يقبل؟ لقد أخذت الرواية حقها من الشهرة عند تحويلها بأمانة إلى حد كبير إلى فيلم سينمائي، فهو لم يكن بحاجة إلى تقديم تنازلات من أجل تعريف الجمهور به وبأعماله.
.
كنت أظن علاء الأسواني أكثر غيرة على عمله الأدبى من ذلك، وربما كان العامل المادي هو سبب قبوله هذا البتر لشخصياته، وهذا ما أرجحه حيث أن المسلسل سيعرض في العديد من القنوات الفضائية والعربية، وصعب في هذا الزمن الصعب أن نتوقع أو نطلب من أحد التضحية المادية في مقابل عدم المساس بإبداعاته
.
ويبدو بشكل عام أن الأدباء لا يأبهون كثيرا لكيفية تقديم أعمالهم الروائية في أفلام ومسلسلات، وقد سبق وقال نجيب محفوظ أن حدود مسئوليته الأدبية تقف عند الرواية أما الفيلم فهو مسئولية ورؤية المخرج وعمل جماعي أكبر من حدود النص الذي قدمه، ولكن الاختلاف بين علاء الأسواني ونجيب محفوظ أن الأخير لم يكن يقف وراء الأعمال السينمائية المأخوذة عن رواياته بنفس الحماس والتأييد الذي وقف به الأسواني وراء فيلم عمارة يعقوبيان مصرحا بأن الفيلم كان أمينا ونقل أفكاره الخ أي أن الأسواني كان يعتبر الفيلم أداة لتوصيل أفكاره
.
وكم من إبداعات لنجيب محفوظ تم تقديمها بشكل سيء وسطحي فى أعمال درامية، وأتذكر من بينها روايته البديعة أهل الهوى ضمن مجموعة رأيت فيما يرى النائم. القصة شديدة الرمزية والعمق تبدأ بدخول شخص للحارة فاقد الذاكرة وعاري وقد تعرض للاعتداء فدخل للحارة على قدميه ويديه، وطبعا الرمز منذ البداية واضح بدخوله كالمولود الجديد للحياة بدون ذاكرة وعار وعلى أربع، وتستمر الرواية برصانتها وأفكارها العميقة
.
تحولت هذه الرواية لفيلم لنادية الجندي ومحمود ياسين شاهدته مرة لأرى كيف تمت ترجمة هذه الرواية الجميلة والفلسفية، الفيلم إن لم تخني الذاكرة، تحول إلى أسم وكالة البلح، وليس له صلة بالرواية سوى العلاقة الأساسية بين المعلمة والشاب فاقد الذاكرة، وتحول الأمر إلى قاهرة الرجال والأبطال نادية الجندي بجمالها الخلاب تحطم قلوب كل رجال الحارة وتطرحهم أرضا واحد وراء الأخر، الفيلم كان مسخ لا يرقى إلى واحد بالمائة من جمال النص الأدبي
.
وبشكل عام أرى أن الكثير من الأعمال الأدبية تفقد جمالها حين تتحول إلى أفلام، ولكن هذا الفيلم كان يفوق الوصف.
.
من قبل أن أرى عمارة يعقوبيان المسلسل ـ وإن كنت في الأغلب لن أراه حيث لا طاقة لي بمتابعة يومية منتظمة للتليفزيون ـ أتوقع مط وتطويل وتخفيف حدة المشرط الذي يشرح به الكاتب المجتمع وعيوبه وقبحه وطبعا الحجة الجاهزة لأي تشويه هو أنه عمل تليفزيوني له حساسيته
.
لا، ربما أشاهده من باب حب الاستطلاع لرؤية لبنى عبد العزيز بعد كل هذا العمر، وإن كنت أيضا أفضل لو أنها تركت آخر ذاكرتنا بها في أنا حرة والوسادة الخالية والكثير من أفلامها الحلوة الأخرى بشخصيتها المميزة وجمالها ذي الكبرياء
.
.

11 comments:

kasber said...

الادب والسينما و المعادله الصعبه
انني في الحقيقه اتعجب حينما يتم بتر عملا لجعله صالحا
لا أدري لما نتطرق لتحويله تلفزيونا مادام يحتوي علي مواد ليست لنا القدره علي التعامل معها
مثلما عرض فيلم كاليفورنيا لتوم هانكس وانطونيو بنداراس مبتورا فلم تفهم له قصه
لانه يتعرض لنفس لفكره في احد جوانبه
اما ان نكون لدينا القدره علي العرض أوليترك الادب لحاله
بلا تشويه

He and She said...

Allaaah ya blackrose. Wonderful post in all aspects. You said what need to be said in the best possible way. You are very analyrical. I love to read to you and I love your Arabic. You are very thoughtful and thorough and you never stuff your posts with unnecessary details. When I read to you I never feel bored or skip one line
Bravo blackrose

Anonymous said...

اتفق معاكي عزيزتي بلاك كايرو روز في عدم فهم كيفيه قبول علاء الاسواني لبتر روايته بهذا الشكل و لكن كما قلتي ربما المقابل المادي اكبر من الرفض
اتفق ايضا في الضيق من بتر بعض الشخصيات عندما تأخد الروايه و تحول لفيلم
لقد كان الفيلم مؤثر و لكني كنت اري ان شخصيه خالد الصاوي كان من الممكن تأديتها بشكل اكبر و لكن اكيد خالد ابدع طبعا مفيش جدال بس عارفه لما تكوني عايزه شخصيه تكون مثاليه و تؤدي بشكل اكبر فبيجي احساسك ده يقولك كده
انا كمان ماليش طأطان علي المسلسلات بس ححاول اشوف ايه النظام و عامل ايه المسلسل الا قوليلي مين حيقوم بدور خالد في المسلسل؟

Heart Beat said...

عزيزتي

انا عن نفسي ما بحبش عمليات البتر الادبية دي و مش بفهم ليه الكاتب بيقبل حاجه زي كده اذا كان تنازله ده عشان المقابل المادي

بفضل اني اقرا العمل الادبي الاول في الكتاب و بعدين ابقى اشوف الفيلم و لا المسلسل و طبعا مش بكون متفاجئة من كمية البتر بحجة انها مش مناسبة نظرة المجتمع و الحاجات دي

مش عارفه هايعلمه ايه لو جم عملوا الرواية الجديدة شيكاجو فيلم و لا مسلسل

كتير من الاعمال الادبية الاجنبية لما بتتحول لفيلم الاجزاء اللي بتتشال من النص الاصلي بسيطة جدا غير كده العمل الدرامي بيكون مماثل للنص الادبي

اخر حاجه كنت قريتها و شوفتها فيلم بعد كده كان كتاب مذكرات فتاة جيشا
الفيلم تقريبا هو نفسه نص الكتاب حاجات بسيطة جدا جدا تكاد لا تذكر يعني هي اللي اتشالت غير كده الفيلم كان رائع

اعتقد ان اخد جائزة الاوسكار احسن نص ادبي تحول لعمل سينمائي

Layla said...

معتقدش ان في حد هيتفرج على المسلسل بعد ما كل الناس يا اما قرت الرواية او شافت الفيلم

المسلسل لن يضيف الى الرواية ولكنه كما قلت سيقلل منها كثيرا بحذف الكثير منها

الموضوع كله بيزنس ومحاولة استغلال الاسم للترويج للسمنة البلدي مش اكتر

في 100 رواية ممكن تتقدم وتنجح زي يعقوبيان بس مين المنتج اللي بيعرف يقرا اصلا

He and She said...

enti feen ya set el kol.

blackcairorose said...

قدرتنا يا كاسبر على هى على لى الأمور لتتناسب مع ما نراه مضبوط ومسموح، سواء كانت حقائق أو أدب

blackcairorose said...

Thanks He&she for your nice words that I do not deserve. I am sorry I was away for a while with a very limited time to log on to the net.

Will come to visit you soon.

blackcairorose said...

أجندا

الدور لما كان فيه جانب مثلى كانوا خايفين يمثلوه ورفضوه واحد ورا التانى، ما هو ان الممثل يمثل دور حرامى او قاتل أو بلطجى أو قواد كل ده أرحم من أنه يمثل شخصية مثلية فى رأيهم

دلوقتى لما شالوا الجانب المثلى فى الشخصية يمكن بقوا يجروا على الدور عشان يمثلوه

ولله فى خلقه شئون

blackcairorose said...

لا شيكاجو إنسى يا هارت بيت متهيألى هيقصقصوا منها لحد ما تبقى من غير ريش

وزى ما قلتى اغلب الاعمال الادبية بتفقد كتير من جمالها وعمقها لما بتتحول لافلام، يمكن لأن القراية بتخليى عندك التخيل اكبر من الحقيقة فى حين ان المشاهدة بتحجم التخيل

يعنى القراية والمشاهده عكس بعض

بداية ونهاية كانت من الحاجات اللى عجبتنى كفيلم، بس تصدقى ان الكرنك عاجبنى كفيلم اكتر، رغم انه قلل من حجم شخصيات وكبر من حجم شخصيات تانية، او يمكن لأن أى فيلم فيه سعاد حسنى بحس انه احلى حاجة ممكن تتعمل لول

blackcairorose said...

اولا مرحبا يا واحد زهقان ونورت المدونة بمرورك وتعليقك

اتفق معاك انه فيه روايات كتيره ممكن تتحول بس لا فى الجرآة ولا القدرة الفنية أحيانا على تحويل أعمال أدبية لا تتسم بموضوعات تجارية مثل أعمال ابراهيم أصلان وجمال الغيطانى محتاجة لمخرجين وكتاب سيناريو غير تقليديين

بس ده موجود حتى فى أمريكا

مره الكاتب الأمريكى المبدع أرمستيد موبان كتب رواية أسمها "ربما القمر" وانهى الرواية بخاتمة تقول توقعاته للتشويهات التى ستحدث فى الشخصيات والحوادث لو حدث وتحولت الرواية لفيلم

وتحياتى