Thursday, November 27, 2008

أزرق غامق


زمان فى أيام المدرسة أو الجامعة، كان هناك أحيانا ما يضايقني أو يكأبنى ليوم أو عدة أيام، ولكن دائما كان يحدث بعد ذلك لي موقف جميل أو طريف يمحو كآبتي ويزيل الهم، موقف ليس بالضرورة أن يكون كبيرا، ربما مجرد لمسة أو ربته ممن يعنون لي شيئا، ربما أكثر أو ربما اقل ولكنها تبقى ومضات تشير لى بيدها فيبتهج قلبي بلا سبب
هكذا كانت سويعاتي تمضى فى مسارها المعتاد تقلبّّها أحيانا لحظات حزينة لتمسحها بعد ذلك لحظات أخرى جميلة وصافية

لى سنوات طويلة الآن أشعر أن اللحظات القاتمة تبقى لا تزول حتى أتناساها أنا بنفسي، ليس هناك ما يأتي بعدها ليجرفها، ولا بديل أمامي إلا تقبل هذه اللحظات أو الأيام أو الأسابيع والتعايش معها كرفيق لا أحبه ولكن لا حيلة لي إزاءه، وأسأل نفسي ما الذي تغير؟ هل صارت الحياة أكثر قسوة عن ذي قبل؟ أم هل أنا أصبحت ـ بفعل الوقت والتجربة ـ أقل قابلية للسعادة، أو ربما البسيط الذي كان يفرحنا فى الماضي لم يعد الآن ـ ونحن كبار ـ كافيا ليسعدنا ويفرحنا؟

لا أدرى، ولكن الحياة حلوة وظالمة فى نفس الوقت، وأخشى أن أجد نفسي أنزلق إلى ما كنت دائما أرفضه واستقبحه، وهو مضاهاة حياتي بحياة آخرين لأصل إلى شعور بالمرارة التي لا طائل من ورائها، وأتناسى أن حياتي أيضا مقارنة بملايين آخرين من البشر هى أفضل ومنعمة ومترفة أكثر
قرأت مرة أن المرارة التى تنتج من مقارنة حياتنا بحياة آخرين أسعد أو أكثر حظا تخلق فى الروح حالة تشبه تناول الشخص لسم ولكنه يظن أن الآخرين هم من سيموتون بفعل هذا السم، ولا يدرك أن السم فى جسده هو، والمضحك أنى مرات عدة ذكرت هذا التشبيه في مناسبات مختلفة للدلالة على اعتراضي على مقارنة ما لدينا بما لدى الآخرين والوقوع أسرى لهذه المقارنة، ولكن يبدو أننى لا أفعل ما أنصح به أحيانا

كم أنا بحاجة لشيء يسعدني مهما كان بسيطا حين تمر بى لحظات قاتمة

Saturday, November 22, 2008

الشتاء

أفتقد الشتاء

برودة الجو
الشمس الهزيلة
قطع القطن الرمادية فى السماء
لسعة الهواء فى وجهى
شوربة العدس وحمص الشام
البالطو والكوفية
بخار زفيرى على الزجاج
قعدة النادى فى الصباح
أصابع قدمي المثلجة ليلا
الخمول تحت شمس الظهيرة
خلو الشوارع من المارة ليلا
الحنين لدفء البيوت
اختلاط الروائح فى الغرف المغلقة
روب بابا الصوف الكاروه الأزرق وشال ماما الصوف البيج فى اسود
عدم البحث عن مكان ظليل لركن السيارة
مج الكاكاو وسخونته فى كفي
الأباجورة المضاءة من العصر
الطاقية التريكو ومن تحتها شعرى الطويل
نقرات المطر على جهاز التكييف
نظارة الشمس المتربة فى جرابها بدرج السيارة
الغسيل المبتل لأيام على الحبل
بيات أوانى الطعام خارج الثلاجة
منور العمارة الرطب والمظلم
الحذاء البووت
الدفء اللذيذ تحت البطانية فى الصباح
رؤية الشارع من النافذة لأن الشجر عارى
استحالة نومى مرتدية شراب مهما كانت برودة الجو
الدقائق المثلجة بعد خلع الملابس وقبل الاستحمام
سعال السيارة صباحا قبل إدارتها

أفتقد الشتاء

Wednesday, November 19, 2008

حكمة اليوم وكل يوم

All the power in any relationship lies in the hands of the person who cares least.

Sunday, November 16, 2008

سوسو

عملنا معا لمدة عام تقريبا منذ سنوات مضت
طويلة نحيفة لها ملامح فرعونية وشعر قصير، اجتماعية، ومن أبرز صفاتها التي أجمعنا عليها فى العمل أنها فتاة "جدعة"، لن تقصدها فى خدمة مهنية أو شخصية إلا وتنفذها وتستنفذ فى تحقيقها وقتها ومجهودها

لمدة شهرين لم نقترب من بعض كثيرا، حتى أتاحت لنا الفرصة الاحتكاك المباشر فى العمل، وهو ما يعنى السفر معا والإقامة لمدة يومين فى إحدى المدن الغريبة، وهو ما تكرر بعد ذلك وعمق من معرفتي بها

سوسو كانت مستقلة فى حياتها للغاية، ومجتهدة جدا، فمن يراها لن يدرك التواضع الشديد لخلفيتها الاجتماعية ولا أن لغتها الانجليزية الممتازة هى نتاج مجهود شخصي ودوؤب منها، وهى لا تنكر شيئا ولا تخجل من شيء

إذا كانت في علاقة حب جادة تكون مخلصة لمن تحب، وإذا لم تكن هناك علاقة جادة، فعلاقاتها عابرة تقصر أو تطول أحيانا مجرد ليلة وأحيانا تمتد لأسابيع، ولكنها تأمل دائما كما تقول فى حب حقيقي ينتهي نهاية تليق بجدية العلاقة

ذات مساء ممطر فى ذلك الفندق فى المدينة الغريبة كنا نشعر بفراغ وملل، أحسست ان مزاجها متعكر كثيرا على غير العادة، وطلبت منى أن نجلس سويا فى إحدى زوايا الفندق، ولاحظت أنها بدأت تشرب كأسا وراء الآخر ودخان سيجارتها حاجز بينى وبينها وأنا أحاول أن أشيح بوجهي عن الدخان وأمواجه المتعاقبة

أخذنا نتحدث فى مواضيع شتى ونأتي على ذكر هذا أو ذاك، ذكرت أنا عرضا اسم رجل ما فقالت لى فورا
ـ أكره هذا الاسم، فالرجلان اللذان سببا لي أكبر ألم فى حياتي كانا يحملان بالصدفة نفس الاسم

صمت فأنا لا أدرى هل هى مقدمة منها لتحكى ما فى صدرها، أم مجرد تعقيب لا يحتمل المزيد، ولكن سوسو واصلت بعد نفس ورشفة
ـ الأول اغتصبني وأنا في آخر سنة فى الجامعة، كنا معا ولكنه يومها أراد أن يأخذ أكثر مما اعتدت منحه، وبالقوة حصل على ما يريد، وستظل الحادثة محفورة فى ذاكرتي
والثانى عرفته لمدة عامين، وأقسم لك يا روز أنه كان يقبل قدمي كل ليلة ويبكى بالدمع إذا قلت له مازحة أنى أشك فى صدق حبه، ومع ذلك كان أجبن من أن يواجه أهله من أجلي، ألا ترين غرابة الصدفة أن يحمل الاثنان نفس الاسم رغم أنه غير شائع؟

استمرت جلستنا متوترة، هى متعكرة المزاج وحزينة لا تتوقف عن التدخين والشراب، وأنا صامتة أسمع كعادتي وتختزن ذاكرتي الأسماء والأفعال،
ومضت تحكى أنها تفعل ما تريد، فهى حرة فى حياتها وليست مدينة أو دائنة لأحد، ولكنها أيضا تحمل لوحدها مسئولية حريتها، فلم ولن تلجأ لأحد أيا كان ـ حتى أسرتها ـ فى حل مشاكلها
عندئذ وجدتني بلا وعى أتذكر ابن خالتي الذي يكبرني بعدة سنوات، وهو كان بمثابة أخ ثان لى أنا وشقيقاتي، وكان مشهورا فى العائلة بلقب الدون جوان، واللقب مصدر فخر له، ومصدر تسلية للعائلة، كان دائما يمازحنا ويحكى لنا مغامراته وآراءه فى الحياة والبنات، وكان أول من سمعته يقول ضاحكا: البنات الصايعة دايما يتبقى جدعة
خطر لى وقتها خاطر غريب أليس من الممكن أن يكون ابن خالتي هو مثلا الشخص الأول الذي حكت عنه سوسو؟ من يدرى؟
استمرت سوسو فى ذكرياتها الكئيبة، وشردت أنا أيضا بأفكاري بعيدا أسمعها ولا أنصت، سرحت فى ابن خالتي الذي أصبح زوجا وأبا، وتساءلت هل يا ترى يقول الآن لأبنته الجامعية ما اعتاد أن يقوله لنا "الصايعة دايما بتبقى جدعه"؟

Saturday, November 8, 2008

فيونكة الشلة


أربعة صديقات لا ينفصلن عن بعضهن، بينهن ود ومحبة وصداقة مراهقة صادقة وقوية حين كانت القلوب لا تزال على طبيعتها لم تلمسها بعد يد الزمن

سامية وهدى ونرمين وبلاك روز

بين سامية وهدى كان التقارب أوضح قليلا والألفة كانت أعمق بين نرمين وبلاك روز

سامية الأكبر سنا وصاحبة الشخصية القوية والناضجة بالنسبة لسنها، صاحبة الآراء السديدة والذكاء الواضح، كانت هي الملجأ عند تعرض أي من الثلاثة لمشكلة ما، تفكر فيها وتعطى النصيحة المخلصة، لذا قررنا يوما أن نمنحها لقب عقل الشلة

نرمين الأكثر نقاء وطيبة ورومانسية بل وسذاجة (نرمين هي الصديقة التي كانت من عادتها التأخير فى تدوينة خدش أو جرح أو كسر) قررنا فى يوم آخر أنها قلب الشلة

ثم فكرنا أن الشلة يجب أن يكون لها وجه، بمعنى آخر، اختيار الأجمل فينا لنمنحها لقب وجه الشلة، وهنا اختلفت الآراء، سامية رأت أن هدى هي الأجدر نظرا لأنها شقراء ذات عيون خضراء، بينما وجدت أنا أن مستويات الجمال متقاربة بشكل يجعل من الصعب اختيار واحدة كوجه للشلة، أما نرمين فلم يكن لها رأى محدد
حين رأت سامية اعتراض روز أن يذهب اللقب لهدى، عقبت ضاحكة أنها مجرد غيرة منى، وأضافت أن هدى وبلاك روز يذكراها بالمنافسة بين الشقراء صباح والسمراء سامية جمال فى فيلم الرجل الثانى!

اللقب فى النهاية راح لهدى

وتبقت بلاك روز بلا لقب، حاولن إيجاد لقب ما لها ولكن دون جدوى

كنا نأخذ هذا الموضوع على أنه مزاح بالطبع ولكنى كنت أيضا أراه يعكس عدم تميزي بصفة واضحة ومحددة، ربما كان بي شيئ من عقلانية سامية أو جمال هدى أو طيبة نرمين ولكن في النهاية لا توجد صفة واحدة يمكن بها تلخيصي أو القول أنها الأبرز في

وقتها كنت أرى أن افتقاد الصفة الواحدة المميزة عيبا، وأن هذا الافتقاد يعنى شخصية بلا طعم، ولو أنى فى مرحلة سنية لاحقة لم أعد أرى أن افتقاد الصفة الواحدة الكبيرة المميزة عيبا، بل ربما يكون ميزة، لا أدرى

المهم، فى ذلك الوقت نرمين أحست بحساسيتها الفطرية بضيقى من عدم وجود لقب لي، فوجدتها ذات يوم تقول أنها قررت منحى لقب فيونكة الشلة، وبررت بأن الفيونكة فى الشعر أو في البلوزة أو الفستان تزينها وهى ترى أنى زينة الشلة

لم أع تماما معنى هذا اللقب وقتها ولكنى قدرت لنرمين رقتها، وقد ضحكت كل من سامية وهدى حين علمتا باللقب واتفقن جميعا فى النهاية على أنى فيونكة الشلة

اكتملت الألقاب وأصبح للشلة عقل وقلب ووجه وفيونكه
ــــــــــ

بعد ثانوى ذهبت كل واحدة فى كلية مختلفة، وظلت الصداقة قوية حتى بعد تخرجنا من الجامعة، ثم كعادة كل الصداقات تتزاحم عليها المشاغل والخصوصيات ومشاريع الخطوبة والزواج والعمل والأصدقاء الجدد الخ ، ولكن الود بأقصى درجاته كان دائما موجودا ومجرد الالتقاء يلغى ما سبقه من شعور بالغيبة أو الابتعاد أو حتى بالبرود أحيانا

كيف سارت بنا الحياة بسخريتها؟

سامية أحبت حبا جارفا وهى لا تزال فى الجامعة، كنا فى السابق نقول أنه من الصعب أن تجد شابا يقنعها ويأسرها بشخصيته، فهي صاحبة الشخصية القوية والذكية، ولكنها وجدت من له شخصية أقوى وثقافة أكبر وذكاء حاد، وصمم الاثنان على الزواج قبل التخرج ورضخ الأهل لتستمر حياة زوجية صعبة فى العشر سنوات الأولى، شهدت فى البداية كفاح التأقلم وتدخلات الأهل والحالة المادية الصعبة والسكن مع الأهل لبعض الوقت ثم السكن بعد ذلك فى شقة صغيرة جدا، ولكن تدريجيا بدأت الأمور تتحسن بشكل ملحوظ ، الشقة أصبحت أكبر ثم أصبحت تاون هاوس فى كومباوند فى الشيخ زايد، والسيارة الواحدة العتيقة أصبحت سيارتين جديدتين وكنا جميعا نضرب بهما المثل فيمن كافح حتى تغيرت أوضاعه بعد أكثر من 14 عاما من الزواج وأثنين من الأطفال

ثم صحونا من النوم ذات يوم على خبر الطلاق

لم تصدق أيا منا أن سامية وزوجها سينفصلان بعد كل هذا الحب والكفاح المشترك، حين جلست مع الزوجين مرة في محاولة للإصلاح وجدت روايتين مختلفتين كالعادة، ملخصهما أن كل منهما يدعى أن شخصية الآخر اختلفت و أن اهتماماتهما في الحياة قد تباينت، فلم يبق من الحب شيء، ولا الرغبة فى العيش سويا ـ حتى مع غياب الحب كالملايين من الأزواج الآخرين ـ
تم فعلا الطلاق، كنا نضرب كفا بكف ونقول عاشا وكافحا معا أيام الفقر ثم لم يتحملا بعضا أيام الثراء

نرمين النقية كانت دائما تحلم حلمين أحدهما منطقي والآخر من وجهة نظري غير منطقي، ولكن منذ متى كانت أحلامنا منطقية؟
الحلم الأول أن تتزوج بعد قصة حب جارفة، وهو حلم مشروع طالما لا نفتعل حدوثه
والحلم الثاني أن تتزوج شابا ذا شخصية اجتماعية جدا، يعرف كيف يتعامل مع النساء ويجذبهن إليه
كنت أرى هذا الحلم الثاني لا ينسجم مع شخصيتها الهادئة والخجولة والساذجة، وكنت دائما أخشى عليها من إعجابها بهذه النوعية من الشباب، لأن هذه النوعية ببساطة لا تبحث عن مثيلات نرمين، وإنما تلائمهم فتيات أكثر اجتماعية وأكثر خبرة وانطلاقا، وكم مرة يبدى شاب هادىء ورزين إعجابه بها ولكنها تقول أنها لا تشعر بالانجذاب نحوه دون أن تضيف المزيد، لكنى طبعا كنت أعلم ماذا كانت تنتظر وتتمنى

وقعت نرمين فى حب شاب له بعض المواصفات التى كانت تحلم بها وتزوجا وأنجبا ومازالا معا، لا أدرى هل هي سعيدة أم لا فهي لا تشتكى، ولكن المؤشرات أمامي تجعلني أشك فى هذا فزوجها ببساطة لا يستحقها، فهي أطيب وأنقى منه كثيرا كما أن مستواها الاجتماعي أيضا أفضل منه بكثير
القول المأثور أن الزواج إما يأخذك لأعلى أو أن يجعلك فى نفس المستوى أو ينزل بك لأسفل،
وللأسف أرى أن الخيار الثالث هو طريق نرمين ولا أعنى هنا المستوى الاجتماعي فقط ولكن أتحدث عن أسلوب حياة وأفكار واهتمامات

ومع الأسف أيضا رغم أن نرمين كانت الأقرب لى بين الأربعة، إلا أنني الآن أحسها الأبعد، هي أكثر حرصا منى على الالتقاء والتواصل معى سواء فى مصر أو حين أكون فى الخارج، إلا أن لدى شعورا بأن بحارا من التباعد تفصلني عنها وأجد أنه تقريبا لا يوجد ما يجمعنا حاليا سوى الذكريات، أحزن عليها وأرى أنها نالت أقل بكثير مما تستحق ولكن أعود وأقول ومن في الحياة ينال ما يستحقه سواء بالسلب أو بالإيجاب؟

هدى الآن هي الأقرب لي
تزوجت وعاشت حياة متوازنة لا مفاجئات فيها، أحرص على لقائها وتحرص على لقائي
.
.
العقل غابت عنا وانشغلت بالحياة الجديدة بعد الطلاق واتجاهها لعمل بيزنس

والقلب فى عالمها المطحون

والوجه فى دوامة الحياة والزواج والأولاد

والفيونكة ـ بعد تفرق الشلة ـ انفكت