Wednesday, August 29, 2007

إطراء ـ تكملة

نظرا لأن وليد عاش سنواته الأولى فى منزل بمزرعة فى كندا والمنطقة تحيطها الغابات، فقد كان على معرفة بأنواع الكثير من الحيوانات وصفاتها، وقد قال لي أن من المألوف أن يرى غزلانا في المنطقة المجاورة للمنزل
.
وقد كانت له طريقة فريدة فى تشبيه الأشخاص الذين يقابلهم بالحيوانات فيقول مثلا:
خالد يشبه الفهد بجسمه الضخم وطريقة ارتطام بطن قدمه بأكمله على الأرض أثناء سيره، وكذلك في سرعة تناوله للأشياء
.
ويقول
لبنى تذكرني بالغزالة، ألم تلاحظوا عيونها المسحوبة وطريقة لى رقبتها وإشاحتها بوجهها حين لا يعجبها ما تسمعه؟ تماما كالغزالة
.
أو
فلان حين يزم شفتيه يأخذ وجهه شكلا مخروطيا مثل الفأر، كذلك طريقته المذعورة
.
وهكذا دائما حيوانات حيوانات حيوانات!
.
وفى البداية لم أكن أعير هذه التشبيهات الكثير من الانتباه، ولكن بمرور الوقت وقربى من وليد بدأت شيئا فشيئا ـ وربما بتأثير كلماته ليس أكثر ـ أنتبه إلى التشبيهات وأجد فيها شيئا صادقا
.
وكان السؤال الطبيعي منى له:
وأنا أي الحيوانات أشبه؟؟
.
رد وليد كان فوري: القطة وسأقول لماذا
القطة تدخل المكان دون أن تلفت انتباه أحد فى هدوء
تتسحب من موقع لموقع فى الغرفة دون أن نستطيع تحديد موقعها إلى أن تستقر فى مكان ما ملتصقة بشخص أو على حجره
قد لا ينتبه الشخص إليها رغم تمسحها به فى البداية، وقد يبدأ دون إدراك منه فى ملاعبتها أو الربت عليها ربما وهو يتحدث أو يشاهد التليفزيون، وشيئا فشيئا يعتاد هذا الشخص على وجود القطة ويجد نفسه متعلق بها ويحبها دون إحساسه بمقدمات هذا التعلق أو هذا الحب
وأنت مثل هذه القطة
.
بصراحة أحببت التشبيه ووجدته إطراءا جميلا ـ طبعا باستثناء موضوع "على حجره"!!ـ خاصة وأن وليد لم تكن له أجنده خفية من وراءه، فعلاقتنا كانت صداقة قوية واضحة المعالم والحدود دون لبس أو غموض
.
لا أدرى إذا كان الإطراء حقيقيا أو لا، ربما كان حقيقيا، ولكنى بالتأكيد أتمنى لو كان حقيقيا!
.
.

Tuesday, August 28, 2007

....

أماه وحشرجة ٌ ودموع وسواد
وانبجث الدم واختلج الجسم المطعون
والشعر المتموِّج عشش فيه الطين
أماه) ولم يسمعها إلا الجزار)
وغداً سيجيء الفجر وتصحو الأوراد
والعشرون تنادي والأمل المفتون
فتجيب المرجة والأزهار
رحلت عنا... غسلاً للعار
*
ويعود الجلاد الوحشي ويلقى الناس
(العار) ويمسح مديته (مزَّقنا العار)
ورجعنا فضلاء بيض السمعة أحرار
يا ربَّ الحانة أين الخمر وأين الكاس
نادِ الغانية َ الكسلى العاطرة الأنفاس
افدي عينيها بالقرآن وبالأقدار
إملأ كاساتكَ يا جزار
وعلى المقتولة غسلا العار
*
وسيأتي الفجر وتسأل عنها الفتيات
"أين تراها" فيردُّ الوحش "قتلناها"
وصمة ُ عار في جبهتنا وغسلناها
وستحكي قصتها السوداء الجارات
وسترويها في الحارة حتى النخلات
حتى الأبواب الخشبية لن تنساها
وستهمسها حتى الأحجار
غسلا للعار... غسلاً للعار
*
يا جارات الحارة يا فتيات القرية
الخبز سنعجنه بدموع مآقينا
سنقص جدائلنا وسنسلخ أيدينا
لتظل ثيابهم بيض اللون نقية
لا بسمة لا فرصة لا لفتة فالمدية
تراقبنا في قبضة والدنا وأخينا
وغداً من يدري أي قفار
ستوارينا غسلاً للعار
.
.
نازك الملائكة ـ 1952

Monday, August 27, 2007

بصقة

لم أستطع سوى وضع رابط لهذا الحادث الذى مر وسيمر مئات غيره
.
يعجز قلمى و لسانى عن وصف الأشمئزاز والقهر الذى اشعر به عند قراءة هذه الحوادث
.
!أب متجبر يزوج أبنته طفلة بمن لا تحب وأخ تاجر مخدرات يقتلها دفاعا عن شرف العائلة
.
هل هناك مهزلة مأساوية أكثر من هذا؟
.

Sunday, August 26, 2007

إطراء

هل هناك مجال لأذكر هنا إطراء قيل لي ذات يوم وأحببته؟
.
لا أدرى ولكن الكثير منا قد تربى على أنه لا يجب ذكر إطراء موجه لنا لأن ذلك دليل على النرجسية أو الغرور، ولكنى الآن أتساءل ما العيب حين نذكر الإطراء طالما نضعه فى مكانه وحجمه الصحيح دون نقص أو زيادة؟
.
قبل أن أذكر الإطراء، سأتحدث عن صاحبه لأنه شخصية مميزة للغاية سواء سلبا أو إيجابا مع بعض التغييرات فى التفاصيل حفاظا على الخصوصية، وهو من الشخصيات التي سأظل أتذكرها رغم مرور أعوام على افتراقنا، وكلى ثقة فى أننا إذا ما التقينا يوما لن نشعر بصدأ السنين، وهذه إحدى دلائل الصداقة الحقة
.
وليد شاب مصري ولد في مصر وتركها صغيرا مع والديه وعاش فى كندا، وبعد ما أنهى دراسته الجامعية اضطرته ظروف عمله أن يعود لمصر لمدة عامين حيث سنحت لي فرصة الاقتراب منه وتعارفنا وقويت صداقتنا بشكل كبير
.
وليد طيب القلب وذكى وكريم بلا حدود وخفيف الظل، على الجانب الآخر يمكن أن ينقلب مزاجه من النقيض إلى النقيض التام في أقل من ثانية ولأسباب غير مفهومة تماما
هذه الصفة أكرهها ولا أبالغ إذا قلت أنها تخيفني حين ألمسها في الأشخاص المقربين لي، فهي تشعرني بعدم الأمان
.
يمكن وصف شخصية وليد إجمالا بأنها خليط غير منضبط أو غير متوازن من الشخصية المصرية والشخصية الغربية، فقد كان يتصرف مثلا بطريقة مصرية تماما فى المواقف التي من الأفضل فيها ـ من وجهة نظري ـ التصرف كشخص غربي، والعكس أيضا كان صحيحا
.
من أبرز سماته أنه كان يلقى بتعليقات لا تتناسب مع المكان ولا الزمان ولا الأشخاص الذين قيلت التعليقات بحضورهم
كان يلقى هذه التعليقات والتي كانت أحيانا كالقنابل في منتهى البساطة وسط صمت وإحراج الموجودين
سأذكر هنا مثالا للتعليقات التي يمكن أن أوردها لأن الكثير من تعليقاته كانت خارج حدود المتعارف
يمكن مثلا لوليد أن يقول فى حضور ليلى أو غيابها:
ليلى فتاه ظريفة جدا، كنت أظنها مثلية ولكن حين عرفت أنها مخطوبة فقلت هي إذا على الأرجح بايسكشوال
أو يقول
المغنية فلانة الفلانية تبدو لي أنها وايلد جدا في السرير
أو
على وسيم، أعتقد أنى لو كنت مثلى لكنت قد أحببته
.
هذه التعليقات في حد ذاتها ليست صادمة ولكن أن تقال فى وسط عمل مثلا وفى وجود رجال كبار يبدو عليهم التدين وسيدات تقليديات محجبات يأخذ الأمر أبعادا أخرى
.
في أغلب المواقف كان هناك صمت من الجميع بعد هذه التعليقات، وهو نوع من الصمت الذي وصفه كاتبي الأمريكي المفضل أرمستيد موبان فى إحدى رواياته الخلابة بأنه نوع الصمت الذي تكاد تشعر معه بشعر الرأس وهو ينمو!
.
وقد طالتنى أنا شخصيا إحدى تعليقاته المحرجة، ورغم أن أصدقائي يرون أنى أمتاز بسرعة البديهة والقفشات إلا أنه بتقدير سريع للموقف وجدت أنه من الأفضل أن أتجاهل ما قيل والجأ للصمت والتصرف كما لو كنت لم أسمع شيئا
.
احترت في تفسير عدم إدراك وليد لعدم ملائمة تعليقاته وهل هو على وعى بهذا أم أن هناك خللا ما في تقديره للمواقف؟ بصراحة لا أدرى، ولم أصل لرأى فى هذا الأمر
.
الموضوع طال ولم أدخل بعد فى صلبه!
.
فإلى مرة قادمة.
.
.

Wednesday, August 22, 2007

سوداء سوداء عيناى


تعليق من العزيزة كتابة صاحبة الأسلوب الفريد والمفردات المدهشة قادني إلى تذكر مطلع محاولة شعرية قديمة لي
.
وكما نظل لساعات دون ملل نحاول تذكر أسم غاب من على شاشة الذاكرة ولا نهدأ حتى نلمسه، حاولت استرجاع بقية المحاولة دون فائدة، فعدت لدفاتري القديمة في حقائب لم أفتحها بعد
.
وجدتها وكان هذا المقطع الأول:
.
سوداء سوداء عيناي
صاخبة حمرتها شفتاي
وأحاسيسي أقواس قزح
أتبعها فتمطر لي دنياي
أقمارا من حزن وفرح
وأهلةَ عشقٍِ لم يُبَح
به من قبلُ تحت سماى
.
.

Saturday, August 18, 2007

فوق النخل

فوق النخل فوق
يابا فوق النخل فوق
.
مدرى لامع خده
يابا مدرى القمر فوق
.
والله ما أريده
ما أريده بلواى
.
الأغنية من الفلكلور العراقي والصورة من الواقع العراقي
.
.

العراق يأسرني
من زمان والعراق يأسرني لأسباب عدة
.
عشقت شعرائه وصوتهم المتفرد فى الديوان العربي، كذلك حاولت فى فترة ما التقرب إلى الفلكلور العراقي وفك طلاسمه فوجدتني في محاولاتي أمام شاعرية شعبية مفعمة بالحزن والجمال والشجن، وشعرت بخسارة كبيرة لمن لا يستطيع مثلى الدخول لمملكتة بسبب صعوبة الفهم
.
حتى البكائيات الدينية العراقية التى يرددها بعض أبناء العراق فى الأراضي المقدسة وخاصة خلف أسوار مقابر البقيع فى المدينة المنورة جعلتني أشعر بالرهبة والحزن رغم عدم فهمي لمفرداتها، فهى تجعلك رهن الخشوع أمام الدمع الغزير الذى ينساب من منشديها ومن حولهم.
.
من يحب التاريخ مثلى ولا يستطيع سوى الانحناء بتأمل وانبهار أمام قصص ألف ليلة وليلة وحكايا القصور والمجد والمؤامرات والجموح والعشق فى ليالي بغداد؟
.
هل أزيد وأقول دون خجل أنى أشعر أن العراقيين لديهم جاذبية حسية ليس لها نظير؟ تعميم؟ ربما، ولكنه إحساسي الخاص تجاه الكثير من العراقيات والعراقيين الذين قابلتهم، فهم مغلفون بجاذبية حسية تجمع دفء الجمال الخليجي وبريق الجمال السوري واللبناني، إنه ذوقي الخاص الذي طالما سمعت من الأصدقاء أنه غير مألوف!
.
هل بى حاجة أن أضيف أن أول حب ـ لا، لنقل انجذاب أدق ـ الكتروني كان من العراق؟
.
.

Wednesday, August 15, 2007

أسماء بلا أصحاب

فيروز لها أغنية بسيطة فى عبقريتها وعبقرية في بساطتها أسمها رجعت العصفورة، تتحدث فيها عن الذين غابوا ورحلوا بعيدا فتقول
.
بالدفاتر عندي أسامي الغياب
أصحابها تركوها، صارت بلا أصحاب

.
فعندما غادروا لم يتبق سوى أسماء هامدة بلا روح
.
هذا ما تذكرته حين وجدت بعد غيبتي القصيرة أن مدونتين عزيزتين قد غابتا لناردين وانتيجريتد فنكشن
ثم قرأت أيضا موضوع أجندا حمرا فى نفس الأمر وأتفق معها فى التمني لو كانوا قد تركوا ولو كلمة وداع
فكلمة الوداع ليست صعبة
.
توقف مدونة ما أقف أمامه يحتويني العجز، فمن ناحية أنا أفهم متعة الصمت والتي قد تفوق أحيانا متعة البوح، ومن ناحية أخرى أشعر بالشوق لكلمات من أحب قرائتهم واعتدت عليهم، ولكن يبقى قلقي على الأصدقاء مبعثه الرغبة فى الاطمئنان أنهم يتنفسون صحة وأن التوقف مجرد قرار شخصي
.
انتيجريتد فنكشن
اشتقت لكلماتك القليلة المتزنة والبليغة بلا ادعاء
.
ناردين
أين موضوعاتك التي تشعرني أنها من طفلة صغيرة متوهجة لها خبرة مائة عام؟
.
.

Monday, August 13, 2007

تداعى

نعم تذكرتي في اتجاه واحد
.
أمسكتها بيدي في مطار القاهرة دون امتعاض أو ندم تغمرني فرحة الرحيل وهاجس المجهول المغسول بمياه التشوق
.
غادرت قيظ القاهرة لقيظ مدينة أخرى تطأها أقدامى للمرة الأولى
.
في الطائرة عادت بى ذاكرتي لثلاث سنوات مضت حين قمت بتعريف ميم الأولى الى ميم الثانية، والاثنتان أقل من صديقتين وأكثر من مجرد معرفة، وقد اكتشفتا بعد لحظات من تعارفهما أن قراءة الفنجان هواية مشتركة لهما، فشاركتا في قراءة فنجانى واتفقتا ـ أو ربما تظاهرتا بالاتفاق ـ على أن فنجانى يرسم لي سفرا إلى مدينة بحرية، ثم تراجعتا قائلتين لا ليس بحرا فليس هناك أمواج نراها ولكن هناك بالتأكيد مراكب وأشرعة ربما يكون نهرا أو بحيرة أو خليجا
.
وقد كان
.
ثم قالت لي إحدى الميمين
.
سيكون هناك رجل مصري، أصلع وأخضر العينين، وستنمو بينكما ألفة سريعة وطيدة، رغم أن شخصيتك متأنية كثيرا فى التعرف والتقرب إلى أية شخص، إلا أن الألفة مع هذا الشخص ستكون سريعة ولكنه سيسبب بعد ذلك مشاكل كبيرة وألما
.
قلت فى نفسي وقتها: تخاريف
.
وهنا أطلت الطفلة الصغيرة والمتوارية وراء الباب برأسها فى صمت وابتسمت ابتسامة غير مفهومة
.
ولكن ألم أحكى لكم من قبل على هذه الطفلة؟؟ لا؟ ربما الآن موعدنا
.
أشعر بأن العالم بكل ما فيه من ماديات ومعنويات يتكثف ويصغر دون أن يفقد أيا من خواصه ليصبح هو قلب الإنسان، يعنى قلب كل منا هو الكرة الأرضية في شكل مصغر، ربما ما يفرق قلب عن قلب أن نسبة الصحراء فى هذا القلب أكثر من ذاك أو أن الهضاب فى ذاك القلب أكثر وعورة من غيره الخ الخ
.
ولكن فى قلبي بالإضافة للمعالم المعروفة هناك فى ركن قصي منه يختبأ باب صغير، الباب موارب ولكن تقف وراءه فى صمت طفلة صغيرة فى حوالي الرابعة من عمرها ويبدو شيء من وجهها وشيء من شعرها القصير ذي الخصلات وشيء من فستانها باهت اللون
.
الصبية دائما هناك فى صمت وعلى وجهها لا تعبير فى أغلب الأوقات، حين أنساها وأحاول الابتعاد عنها تفتح لى الباب بشكل أكبر وتظهر من سماتها شيء أوضح ومزيد من الراحة فى تعبيرات وجهها، كأنها تدعوني لمزيد من الاقتراب، ولكن ما إن أقترب منها حتى تبادر بتقليل فتحة مواربة الباب حتى تكاد تغلقه ولا يظهر من سماتها إلا أقل القليل
.
فى بعض المواقف الصبية تبتسم ابتسامة لا أستطيع تفسيرها ما إذا كانت تعاطف أم سخرية أم مجرد فرحة وهو ما شعرته حين قلت لنفسي تخاريف
.
تخاريف؟
.
وأفقت على صوت كابتن الطائرة يعلن نهاية ـ أو ربما بداية ـ الرحلة
.

Sunday, August 12, 2007

من فيروز

دقيت دقيت وإيدى إتجرحوا
قنديلكم سهران، ليش ما بتفتحوا؟؟